قال تعالى "استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ".
تفسير ابن كتير رحمه الله لهده الاية الكريمة .( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) أي : ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب ، فإنه من تاب إليه تاب عليه ، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك ؛ ولهذا قال : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ) أي : متواصلة الأمطار . ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية . وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : أنه صعد المنبر ليستسقي ، فلم يزد على الاستغفار ، وقرأ الآيات في الاستغفار . ومنها [ ص: 233 ] هذه الآية ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ) ثم قال : لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي ستنزل بها المطر وقوله : ( ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) أي : إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه ، كثر الرزق عليكم ، وأسقاكم من بركات السماء ، وأنبت لكم من بركات الأرض ، وأنبت لكم الزرع ، وأدر لكم الضرع ، وأمدكم بأموال وبنين ، أي : أعطاكم الأموال والأولاد ، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار ، وخللها بالأنهار الجارية بينها .
ورد عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة. رواه الطبراني وحسنه الشيخ الألباني كما ورد أيضا
ً أن من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب فإن الملك يؤمن على دعائه ويدعو له بمثله فقد روى مسلم في صحيحه عن أم الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل. فدعاؤك للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات يؤمن عليه الملك ويدعو لك بمثله
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : إن كنا لنعد لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المجلس الواحد مائة مرة يقول : " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور "(رواه الترمذي وأبو داود والحاكم) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة "(رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة) .
وعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إنه لَيُغَانُ على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة "(رواه البخاري ومسلم) .
وقد ورد في حديث أنس أهم الأسباب التي يغفر الله عز وجل بها الذنوب ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تعالى : " يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئـًا لأتيتك بقرابها مغفرة "(رواه الترمذي) .
وقد تضمن هذا الحديث ثلاثة أسباب من أعظم أسباب المغفرة :
أحدها : الدعاء مع الرجاء : فإن الدعاء مأمور به موعود عليه بالإجابة ، كما قال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(غافر/60) ، فالدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه ، وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه أو وجود بعض موانعه ، ومن أعظم شرائطه حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى ، فمن أعظم أسباب المغفرة أن العبد إذا أذنب ذنبـًا لم يرج مغفرة من غير ربه ، ويعلم أنه لا يغفر الذنوب ويأخذ بها غيره فقوله : " إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي " يعني على كثرة ذنوبك وخطاياك ، ولا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره .
وفي الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء "(رواه مسلم)
وفي حديث عبد الله بن عمرو أن أبا بكر قال : يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : قل : " اللهم إني ظلمت نفسي ظلمـًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم "(رواه مسلم)
كما في حديث شداد بن أوس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني ، وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ، ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ ، وأبوء بذنبي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "(رواه البخاري)
حديث أبي سعيد رفعه قال إبليس يا رب لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الله - تعالى - : وعزتي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني أخرجه أحمد